الإنسان النظير وتهديدات اللا-بشري للهوية الإنسانية الدكتور صلاح حمادي الحجاج منذ القدم سعى الإنسان جاهدا إلى صناعة ما يُشبهه، ليحقق عب...
الإنسان النظير
وتهديدات اللا-بشري للهوية الإنسانية
الدكتور صلاح حمادي الحجاج
منذ القدم سعى الإنسان جاهدا إلى صناعة ما يُشبهه، ليحقق عبر ذلك السيطرة على بيئته والتحكم بها، لكن ما لم يتوقعه هو أن يصبح هذا الانسان الطامح هو نفسه مهددًا بوجوده، ليس من قبل آخرين بل من قِبَل ما صنعته يداه.
ففي عصر الحداثة، قدّس الإنسان العقل ورفع من قدرته على التكيف والإنتاجية، لكن العقل نفسه لذي كان يُعتبر مرشدًا للإنسان، أصبح أداة للدمار الجماعي من خلال تسخيره في صناعته الأسلحة الفتاكة واستخدامها في الحروب التي خطط لها. واليوم في عصرنا عصر ما بعد الحداثة، يسعى الإنسان إلى تفعيل "اللا-بشري"، أو "الإنسان النظير"، الذي يتمتع بكفاءة استثنائية، فهل نشهد نهاية مأساوية أخرى؟
في البدء يبرز مصطلح "اللا بشري" كمفهوم فلسفي وجودي يُفترض أن يتجاوز الإنسان بمعايير فكرية اجتماعية، أو حتى تكنولوجية. يمكن أن نراه ككائن يشترك مع الإنسان في الجوانب المادية لكنه يفتقر إلى جوهره المعنوي وروحه الإنسانية مثلما نرى في الذكاء الاصطناعي أو في الكائنات البشرية المعدلة جينيًا.
إن "اللا بشري" قد يرمز إلى تمرد على الإنسان كما نعرفه، ولكن في المقابل، يظهر "الإنسان النظير" كنسخة محاكاة يُفترض أن تكون أعلى كفاءة من الإنسان الطبيعي.، إن مصطلح "الإنسان النظير" لا يحمل بُعدًا مضادًا أو معاديًا للإنسان، بل هو بمثابة مرآة معكوسة له، فيها ما هو شبيه لكن في صورة قد تكون أكثر تطورًا وأكثر كفاءة في مجالات الإنتاج، التخطيط، والتفاعل الاجتماعي. لكن، هل ستظل هذه النسخة النقية من الإنسان هي الحل الأمثل.
أصبح الإنسان في العصر الحديث يُقاس بمدى قدرته على كفاءة وسرعة الإنجاز، والقدرة على التجاوب مع التكنولوجيا، في المجالات الصناعية، الطب، والهندسة اذا نجد أن الإنسان النظير قد أصبح الخيار الأول بوصفه لا يتعب، لا يخطئ، ولا يتأثر بالمشاعرولا يرفض.
أن الكفاءة في عصرنا الحديث أصبحت العنصر الوحيد الذي يستحق التفضيل وهنا يأتي التحدي الوجودي الابرز :هل وجود الإنسان الطبيعي العادي اصبح عبئًا على المجتمع في ظل التطور المتسارع وظهور رغبت الانتقال من الإنسان الفعلي إلى الإنسان النموذجيذلك الانسان الذي يقاس بمدى انتاجه وفاعليته في تعزيز الاستهلاك، وهذا ما جعل العديد من الدول المنتجه النظر الى العجزة سواء كانوا من كبار السن او من ذوي الاحتياجات الخاصة بصفتهم غير منتجين ويجب تصفيتهم والخلاص منهم، هذا ما ساهم بشكل كبير تفعيل دور الانسان النظير (اللا بشري)
ان محاولة الإنسان لخلق نسخة أفضل منه، ربما ينسى المكونات الأكثر دقة في طبيعته وهي الروح والمشاعر والوجدان، والخيال، هذه السمات التي تعد أحيانًا أسبابًا للخطأ هي التي تجعل الإنسان إنسانًا ان ما يسعى الإنسان النظير لتحقيقه هو غزو هذا الجانب الفوضوي، مُستبدلًا مشاعر الإنسان بالحسابات الرياضية والتحليل البرمجي، مما قد يؤدي إلى طمس الهوية الإنسانية.، إن القيمة التي كان الإنسان يُعطيها لذاته على أساس ما يعبر عنه من مشاعر وأفكار قد تصبح غير ذات قيمة في ظل عالم اصبح ينظر الى الكفاءة والمثالية هما المعيار الأول. فما سيبقى من الإنسان وفق ذلك؟
ان الانسان الذي صنع الأسلحة واباد البشرية في الحروب المدمرة هو نفسه يقوم الان بصناعة كائنًا أكثر كفاءة يُحيط به ويُطوّقه، ليصبح هو نفسه غير ذي قيمة في مواجهة هذا "النظير" الأكثر مثالية؟ إن المفارقة تكمن في أن الإنسان الذي يسعى لجعل "الآخر" أكثر قدرة منه ربما يُعيد تشكيل عالم ينتهي فيه هو نفسه إلى النسيان التدريجي وبذلك يصبح والإنسان النظير مجرد أداة لانهاء الذاتي للإنسان
ويبقى التساؤل هل سيظل الإنسان قادرًا على الحفاظ على مكانه في عالم يُهيمن عليه اللا- بشري، الذي سيتحوّل من مجرد جزء من الآلة الى انسان نظير يهدد وجوده ،الأجوبة تبقى غامضة، لكن ربما قد أصبح من الواضح أنَّ الإنسان الذي يتطلع إلى أن يكون الأكثر تطورًا، قد يكتشف في النهاية أنه قد فقد ذاته في خضم سعيه إلى الكمال في هذا العالم الذي يديره العقل، والآلات، والكفاءة، لذا يجب عليناأن نعيد التفكير في تعريفنا للإنسانية، ليس من خلال قدرتنا على الإنتاج والتطور والاستهلاك، بل من خلال قدرتنا على الخطأ والتعلم والحلم.